50Views

منهج الدعوة للإسلام فى القرآن الكريم
الدكتور كمال بريقع عبد السلام
الدعوة لدين الله عز وجل رسالة الأنبياء جميعًا وهى مهمة يشرف المكلف من أمة محمد القيام بها ، وموضوع الرسالات السماوية توحيد الله وحده وإفراده بالعبادة واتباع أوامره واجتناب نواهية. قال تعالى ” وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ”(سورة فصلت: 33) وقد أورد الإمام الطبرى رحمه الله فى تفسيره أن الحسن تلا: ( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) قال: هذا حبيب الله ، هذا وليّ الله، هذا صفوة الله، هذا خيرة الله, هذا أحبّ الخلق إلى الله ، أجاب الله في دعوته، ودعا الناس إلى ما أجاب الله فيه من دعوته ، وعمل صالحا في إجابته، وقال: إنني من المسلمين، فهذا خليفة الله. وقد حدد القرآن الكريم منهج الدعوة إلى دين الله الحنيف تحديدًا واضحًا لا لبس فيه، ولم يترك القرآن الكريم هذا المنهج للعقل أو للإجتهاد ، وهذا المنهج يقوم على الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالحجة والبرهان ، قال تعالى فى كتابه العزيز : “ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ” (سورة النحل: 125) وقد أورد ابن كثير فى تفسيره شارحًا هذه الآية قائلا: أى من احتاج منهم إلى مناظرة وجدال ، فليكن بالوجه الحسن برفق ولين وحسن خطاب ، كما قال : “ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم” ) العنكبوت : 46 ) فأمره تعالى بلين الجانب ، كما أمر موسى وهارون – عليهما السلام – حين بعثهما إلى فرعون فقال : “فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى” ) طه : 44) و الخطاب القرآنى يدعونا إلى تجنب اللغة الإقصائية التى تنفر الناس عن سبيل الله ، بل هو خطاب يدعوا إلى الإحتواء والمحاسنة والبر والقسط قال تعالى: (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِينِ ولَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وتُقْسِطُوا إلَيْهِمْ إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ ) (الممتحنة: 8)
فالدعوة للإسلام تقوم على ضمان حرية الاعتقاد لا على الجبر والإكراه، قال تعالى: ( قَال َيَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وآتَانِي للمسلم وغير المسلم فالإيمان ينبغى أن يؤسس على الحرية والإختيار لا رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ ) وقال تعالى: ( لا إكْرَاهَ فِي الدِّينِ) وقال تعالى: ( وقُلِ الحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن ومَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ”، ومبادىء الإسلام تؤكد على أن غير المسلمين لهم الحق فى ممارسة شعائر دينهم بشكل كامل، وقد ذكر القرآن الكريم دور عبادتهم فى موضع التكريم قال تعالى: “وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ۗ وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ” (سورة الحج: 40) وقد عاش فى كنف الشعوب الإسلامية عديد من المجتمعات التى تدين بأديان مختلفة يتمتعون بكامل الحرية والمساواة، ويمارسون شعائر دينهم دون إكراه أو اضطهاد أو تضييق عليهم، ويتمتعون بحق المواطنة كمبدأ من المبادىء الأصيلة التى أقرها الإسلام لتحقيق العيش المشترك، وطبقها النبى صلى الله عليه وسلم فى دستور المدينة . والقرآن الكريم لا يدافع عن حرية المعتقد للمسلمين وغيرهم فقط، بل يدعو أيضا إلى معاملتهم بالبر والقسط والإنصاف، وإنصاف الخصم هو أحد التوجيهات التى نتعلمها من القرآن الكريم لوضع خطاب دينى معاصر ولنتأمل قول الله تعالى: ” وَإنَّا أَوْ إيَّاكُمْ لَعَلَى- هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ” على الرغم من أن المسلمين والنبى صلى الله عليه وسلم كانوا على الحق المبين، وقد آمر الله النبى بمباهلة من أنكر نبوته “ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الكَاذِبِينَ” ولم يقل نجعل لعنة الله عليكم لتكذيبهم له ولنبوته وبالحق الذى جاء به من عند الله ولم يقل فنجعل لعنة الله عليكم، وهذه المباهلة من خصوصياته صلى الله عليه وسلم، وليس لأحد من المسلمين أن يطبقها، وفى الصلح بينه وبين معاويه خلع على ابن طالب عن نفسه لقب أمير المؤمنين وحينما احتج عليه الخوارج بقولهم “إن لم تكن أميراً للمؤمنين فأنت أمير للكافرين” رد عليهم على رضى الله عنه بقوله “أردت النصفة لمعاويه” وذكرهم بما فعله صلى الله عليه وسلم فى صلحه مع قريش.